شخصيّات

أديب كمال الدين*

 

صانع الوهم
**********
الخيّاطُ الذي خدعَ الإمبراطور
وألبسَهُ ثيابَ الوهم
حتّى أخرجَهُ إلى النّاسِ عارياً تماماً.
هذا الخيّاطُ تحوّلَ
- بعد أن شُنِقَ الإمبراطورُ في احتفالٍ بهيج-
إلى مذيعٍ تلفزيونيّ يقرأُ الأخبارَ بطريقةٍ عجيبة:
كانَ يحرّكُ شفتيه فقط
وكانَ النّاسُ يتوهّمون أنّهم يسمعون!
 
الطّلقة الأولى
**********
قالَ العارفُ لآلافِ المُصلّين الفقراء:
لو أنّ كلَّ النّاسِ صلّوا معنا الجمعة
لانهارتْ منارةُ الجوعِ في العالم.
بكى المُصلّون بدموعِ الجوعِ والألمِ والحرمان
حتّى غطّتْ دموعُهم الحرّى وجوهَهم وقلوبَهم
فرفرفتْ أجنحةُ الملائكةِ في السّماء
وتردّدَ صوتٌ ذهبيٌّ بين الغيمات:
صدقَ العارف.
صدقَ العارف.
صدقَ العارف.
*
تحرّكتْ بنادقُ جندِ الطّاغية
وطوّقت المُصلّين الباكين من كلِّ جهة
وبدأتْ تحصدهم حصداً.
........................................
........................................
........................................
كانت الطّلقةُ الأولى من نصيبِ العارفِ بالطبع!
 
قِرَدة
*******
ضاعت المدنُ في جحيمِ الرّايات
وصارت القِرَدةُ تخطبُ على المنابرِ والمسارحِ والملاعب،
قِرَدةٌ من كلِّ الأنواع؛
قِرَدةٌ عُراة،
قِرَدةٌ خرجتْ من بطونِ التّاريخ،
قِرَدةٌ بشعرٍ أصفر
أو بلحى بِيض
أو بسراويل حُمْر،
قِرَدةٌ
ترطنُ بكلِّ الأكاذيبِ التي حينَ يسمعها الشّيطانُ يضحك
لأنّه لا يعرفُ منها إلّا حرفاً أو حرفين.
 
ملك المنفى
**********
اليوم التقيتُ، صدفةً، بملكِ المنفى.
كانَ رثّاً، بائساً، مفلساً
لكنّه لا يكفُّ عن إطلاقِ النّكاتِ والترّهات 
لأتباعه الذين يطلقون القهقهاتِ الكاذبة.
 
صانعُ الكراسيّ الذّهبيّة
****************
صانعُ الكراسيّ الذّهبيّة 
للملوكِ والطّغاةِ والأباطرة
لا يملكُ في بيته أيَّ كرسيّ كان،
حتّى من الهواء.
وحينَ سألتُه عن السّببِ، قال:
أكرهُ الكراسيّ ومَن يجلسُ عليها
وأكرهُ أكثر
أولئك الذين يمتدحون بريقَها المُخيف.
 
كتاب الموتى
**********
البارحة
كنتُ أقرأ في كتابِ الموتى:
الكتاب الصّغير، الأسْوَد، السّحريّ.
فعجبتُ 
حينَ رأيتُ أنّ أسماءَ الموتى التي تنتهي
بحرفِ الشّين
قد سقطتْ نقاطُها وأسنانُها، 
وأنّ أسماءَ الموتى التي تنتهي باللام 
قد توقّفتْ منذُ زمنٍ طويلٍ عن الطّيران.
 
الآخَرُ الذي هو أنا
*************
لم أكنْ مُحتاجاً إلى ما تقول،
كنتُ مُحتاجاً إلى شفتيكَ.
ولم أكنْ مُحتاجاً إلى شفتيكَ بل إلى لسانِك.
لا لم أكن مُحتاجاً إليه بل إلى روحِك.
لا لا لم أكنْ مُحتاجاً إليها بل إلى حائك،
أعني إلى بائك،
أعني إليك.
وأعرفُ أنّكَ لا تعرفُ نَفْسَكَ مِثْلي
فقدْني إليك.
نعم،
جميلٌ أن ألتقي بأعمى مِثْلي،
تائهٍ مِثْلي
يبحث عنّي
ولا يتركني أهذي في الطّريق
إلى أن أموت.

 

* شاعر من العراق - أستراليا