العالم وقد تجاوز سن قراءة "البؤساء"..

د. عـبـد القـادر حسين ياسين*
قـصة رجل بائس يدعى جان فالجان ، يضبط وهو يحاول سرقة رغـيف ، فـيمضي بقية حياته من زنزانة إلى زنزانة، وكلما حاول الهرب صدر عـليه حكم أقسى، وكلما تخفى عـثر عـليه المفتش جافير، الذي لا يمثل القانون ، بقدر ما يمثل الإنسان المريض، السادي، والمتمتع بالانتقام الصغير.
لا أذكـر كم مرة قـرأت "البؤساء" فـتـياً، وكم مرة شاهـدتها فيلماً.
وعـندما حوَّلها أندرو لويد ويبر إلى مسرحية في لندن، كنت أول الحضور بعـدما استطعـت العـثور على تذكرة ، اشتريتها من السوق السوداء. وكان ذلك بعـد سنوات من البدء في عـرضها.
كان ذلك، بالنسبة إليّ، أهم ما قرأت في تحليل الرواية.
صقـيع القلوب الكافـرة ، أفظع بكثير من الطبيعة وبرودة شتائها.
أطفال بلا رغـيف وبلا حطب، وبلا وطن ، وبلا أمـَّة،
وعالم بلا أخلاق وبلا ضمير ، وبلا ذمم ، وبلا فروسية، وبلا رجولة.
عالم تجاوز سن المشاعـر والأحاسيس ومخافة الله، يـُحـيل ملايين البؤساء إلى المؤتمرات والمنظمات، من الجامعة العـربية (أطـال الله بـقـاءهـا..!) إلى الأمم المتحدة،
لـقــد تجاوز هذا العالم سن قراءة "البؤساء".
* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في السويد.