أسْفارٌ مَكـْسورة الـبوصلة

محمد شاكر*
أكبرُ من أسفاري، ما أغـْشى مِن أمْكِنة ْ
تـَحوشُها الرَّغباتُ.
ولا أسْفارَ لي.. في جُغرافية المكانْ
لكنْ.. ألقاني ،
في تضاريس ِ ذاكرة..حُبلى'
بـِمعـارج الطـِّفـلِ ِ .. والوَطنِ.
مَرّات ٍ .. فـَتـَّشوا الحـَقـيـبـَة عن أحْلام ٍ، تـُهـِّربُها
ما وجَـدوا، غيرَ مِزَق ٍ مِن كلامْ ..
لا يُرمِّمُها حِرصُهم .. على البَلاء.
مَهْما تعددتَ في الطريق ِ؛
يَكنِسُكَ الـتـَّوحـُّدُ
في اكـْتـِظاظِ وقـْت ٍ، مُترعٍ بخـيـباتِ المساءْ .
في العبورٍ.. يَفرغ ُ منكَ الطريقُ ؛
يَمتلئ ُ.. بالقادمينَ إلى فراغْ البيوتِ
ولا يدومُ أثــرٌ، على الطريق ْ.
الخطى، تقعُ على الخُطى
كأن ..لا عابِرَ، بإيقاع ٍ ، ونشيدْ .
هل يذكرُ الطريقُ ،
خطوَ طِـفـْل عابر ٍ.. بحذاء ٍ
كلَّـلَهُ طمْيُ الحقولْ ؟
كـنْ في خـُطاهُ
حينَ يُعـْوزكَ الـدليلْ
لا تنتبهْ.. لِطول ِ الطريقْ
وخذلانِ الرَّفيقْ.
هل لا بـُدَّ مِن رَصيف
كيْ لا يَجـْرفكَ.. تيَّارُ الطريقْ
في جُنونِ الحركاتْ؟
هـَلْ لا بـُدَّ مِن حـَقـيـبة ٍ،
ليَطمَئنَ عَزمُ الخـُطى
ويَزيـَد إصْراري، على باب ِ المَطارْ ؟
هلْ لا بـُدَّ مِن طـَريق ٍ ، لاحِبٍ
لـِتـنـْضبـِطَ الخـُطى..
في الموسيقى.. ورتابةِ الإيـقـاعْ ؟
لو أنَّ الخطوَ ، لا يَخونُ ،
عندما تَحْرنُ بي.. سُبُلُ الأحلامْ
وتَغيبُ العلاماتْ
لو أنَّ صَهـَوات الخَيال ِ، حينَ أمْـتـَطـيـها
تُمْهلني.. ريثما أرتبُ حقائبَ الأسْفـارِ .
ليتني أ ُرْجعُ الحَقـائـِبَ، لِخَط ِّ البـِداية ،
أُسافـِر بعفويةِ الرّاجـِـلـيـنَ
مِنْ غـيـْر مَطارْ .
خطوي.. ليْسَ للـطريق ِ السيّـارْ ،
تعوَّدتُ، بُطئاً،
في وَداع ِ أحْـباب ٍ تَعـَجـَّلـوا الرَّحيلَ
مِنْ غَـيْـر سِبـْقِ إصْرار .
شُركاءُ في الخـَطـوِ..
إذ نـَمـْشي.. بأحذِيَّـة ٍ مُسْتعملة ْ
ليْتـَـهُ ، ظلَّ لنا نفسُ المـَسَارْ.
لكنَ بعضَ العُمر ِللنـِّسيـانِ العَميق ِ ؛
خـاوية حـقائـبُه..
حافـية أسْفــارُه
ولا مَعالمَ للطريق ِ .. تدلُّ عـَلـَيْـنـا
في الخـُطـى، والأثـرِ.
بضعُ أرصِفةْ..
بضعُ أحذية ْ..
بضعُ حقائِبْ..
وأكونُ.. لمْلمتُ أطرافَ الـهـويَّـةِ
مِنْ تـَنـَافـُر الأشْيـاء ِ في الصُّنـْدوق ْ.
أرصِفة ٌ كثيرة ٌ ما زالتْ عالـقـَة
بخرائطِ الروحْ
هـَل يَسْتوي الطَّـريـق ُ إلى مـُدني العامـِرة؟
قالَ لي الطفلُ
الطريقُ ..لي
ولألـْعـابـي
لكنهم، زَرعـُوا العلاماتْ .
استثنوا خُطاكَ.. بكل النَّزق ِ الجَليلِ
وبَراءةِ الصَّهـَواتْ.
حـَوَّلوا الـرَّصيف َ.. مـَـلْـْـهـى
لـِمُعاقـَرة ِ الكلامْ
وفي غَـفـلة مِنـَّا .. عـَبـَر الطـَّريقُ.
وأنا طفلٌ.. تـَحا شـَيـْتُ أسْفلتَ الـطـَّريـق ِ ،
حَيثُ العُـبـور السَّريعُ
مَشيتُ مَمـرَّاتٍ مُتـْـربَة
قبلَ أن يـَتـَّضِحَ الرصيفُ
وتـَعْـتـَـريـهِ الشـُّروخُ.
حِذاءُ الطـِّفل ِ البَسيط
كانَ يُمَوْسِق الخـَطـوَ عَلى الرَّصيف ِ ؛
وهُـو في جـَيـْبي ..
رأ ْفــَةً بـهِ، مـِنْ عـَوارضِ الطـَّريق.
أنتعلُ، الآنَ، حذاءً جميلا ،
لكنهُ ، لا يُبَلغني ، مآربَ طفل ٍ
حـافـي القـَدميـنِ ..
يَنـْحـَني لِـينـْزَعَ شَوكَ الطريق
ويمْضي بـِفرحَة طائـِرٍ غـِرِّيـدْ.
لو خـَلعـْتُ الحِذاءَ..
اقتلعتُ الرَّصيفَ.. مَحَوتُ الطريقَ
هلْ أمْشي أسْفارَ ذاكِـرَة..حـُبـْلى
بحَكايا الجـَدَّة ، والرِّفـاق.
أرْصفة ٌ.. تَعودُني في المساءْ ؛
أحْوالُ خـَطـْوٍ، تـَجوسُ عـَماءَ اللـيْـلِ ِ
أتـَحَـسَّسُ خـَشْخـَشة الأعْماق ِ
أتـَعـَقـَّبُ الإيقاعَ، ولا أ ُمْسِكُ بالطـَّيـْفِ.
أخـَلـَعُ حِذائي ، كما لو أنِّي
أمْحو طريقــاً ، وسَعْيــاً ، وصِـــلاتْ.
أترجَّلَ .. عنْ حنيني الأعـرجْ
أمْشي حافيــاً ، في طريق ٍ بلا علاماتْ .
حذاءٌ..
سفرٌ..
طريقْ..
هيَ بعضُ سَقـْط ِ العُمـْر، عـَلى عَتبات ِ العَـياءْ .
تـُعاتـبـُي الحَقائبُ ، إذ كــَدَّستُ فيها تعَبَ العمرْ .
أبليْتَ أحـْذِية ً ، بمقاسات ٍ شتى ،
ولم يـَنـْتهي عـِنادُ الطـريقِ .
لم أكمِلْ، يـَوْماً ، طريقـاً ،
ولِهَذا، يَشْتـدُّ وقعُ أسفار ٍمؤجلة..
في ضَميـرِ خطى'.. لاذتْ بالنـُّكـوص ِ.
هل يَـكـفي .. أن تـذكـرَ صَنـْدلكَ الـقديـمْ
ليَحُجَّ إليكَ الطـريقُ
بما راكمْتَ عليهِ، مِن طَّمْي ِ جـليـلِ؟
لا مَطيَّة..
وعليكَ أن تمْشي طـُـرقـًا أخرى ،
فيما تـبـَقىَّ.. مِن إجازة الـرّبِّ .
خانتكَ أسفارٌ ،
خلَّفتْكَ .. عند مَحطتها الأخيرة.
أرصفة ٌ شـَتى.. مَحَتـْكَ من ذاكرة العُبورْ .
وكثيرٌ مِن الخطو، لا يَذكـُر أسْفارَهُ .
كيفَ تمشي بإنـْهاك ِ حِذاء ٍ،
وعَياءِ أحلامْ ؟
لم تعُد ِ الأرْصِفـة .. تلمُ أحبابـاً ،
بـلـوْن..
وطعْــم..
ورائِـحة ْ .
لم يَعـُدِ الحـِذاءُ صالِحـاً
لتـَمْشي به .. مَشاورَ القلبْ .
لم تعـُد ِ الحَقـيـبة ُ صالِحة ً ،
لأطـْوي فيها.. رَميمَ الوطـَن ؛
أؤسِّسُه أنَّا أشاءْ .
أحِنُّ إلى أسْفاري
لكن حَواجزَ الدّم على الطريق ِ ،
ولنْ أتـْركَ .. أثراً لـِعـُبور ٍ مَسْفوك ْ.
أطـْوي أرْصِفة ً ، مَشيْـتـها
أ ُفرغُ الحَقائبَ مِن فـُتات ِ الأحلام ْ
أتوسَّدُ حِذائي المُنـْهـك
وأظلُّ على أهبةٍ
لأركبَ غـِمارَ طـَريق ٍ سـَيـّارْ.
الآنَ.. لا أسافِـر.. لا أسافِـر
لكن تـأتـيـني الأمْكـِنـَة ُ عـَلى صَهـَواتِ الـحَـنيـن.
لا أسافـر..
لكـنـني أؤوبُ بـحـَقائـِب أحْـلام فارغـَة
وأثـَر مِن غـُبارْ.
لا أسافـرُ.. لـكـِني أعْـبـُر ما أشـَاءُ
في غـَفـلـَة مِن مَتارس ِ الزِّحامْ.
* شاعر من المغرب